حكم الساحر

إنَّ من الكفريات الظاهرة والشركيات الخطيرة التي جاء الإسلام بنقضها وحاربتها « السحر » ، والسحر هو عبارة عن عزائم ورقى وعقد تؤثر في القلوب والأبدان ، فيمرض ، ويقتل ، ويفرِّق بين المرء وزوجه ، ويفعل بالناس شروراً كثيرة ويلحق بهم أضراراً خطيرة ، وله من المفاسد والأضرار والمخاطر ما الله به عليم ، ومن أعظم أخطاره ومفاسده أنه لا يتم ولا يكون إلا مع الكفر بالله العظيم ، فالسحر لا يجامع الإيمان ، ولا يكون الساحر مؤمناً ، ومن سَحَر فقد كفر بالله العظيم . والمراد بالسحر هنا : ما كان من قبل الشياطين وعن طريق عبادتها وعبادة الكواكب .

يقول الله تعالى : {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة:101-102] .

فهذه الآيات الكريمات دلت على كفر الساحر من وجوه كثيرة بيّنها أهل العلم ، منها :

أولاً : نفي الكفر عن نبي الله سليمان عليه السلام في معرض اتهامه بالسحر في قوله : { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ }، فدل ذلك على أن من كان ساحراً فهو كافر .

ثانياً : التصريح بكفر الشياطين منوطاً بتعليمهم الناسَ السحر .

ثالثاً : تحذير الملكين طالبَ تعلم السحر بأنه كفر .

رابعاً : نفي النصيب في الآخرة عن متخذه ، ونفي النصيب بالكلية لا يكون إلا للكافر والعياذ بالله .

خامساً : قوله تعالى في تمامها : { وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } [البقرة:103] ؛ وهذا من أصرح الأدلة وأوضحها على كفر الساحر بنفي الإيمان عنه بالكلية ، فإنه لا يقال للمؤمن المتقي ( ولو أنه آمن واتقى) ، وإنما قال تعالى ذلك لمن كفر وفجر وعمل بالسحر واتبعه .

وقد صرَّح بذلك أئمة السلف من الصحابة والتابعين ؛ قال الحسن البصري رحمه الله : " من سحر فقد أشرك " ، وقال ابن جريج رحمه الله : " لا يجترئ على السحر إلا الكافر " ، والنقول عن السلف في هذا المعنى كثيرة .

وحكم الساحر القتل ، وقد جاء قتل الساحر عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم : عمر بن الخطاب ، وحفصة أمُّ المؤمنين ، وجندب الأزدي رضي الله عنهم أجمعين .

فعن بجالة بن عبدة قال : كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "أن اقتلوا كل ساحر وساحرة " قال فقتلنا ثلاث سواحر"[1].

وجاء أيضاً : أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قتلت جارية لها سحرتها وكانت قد دبرتها ، فأمرت بها فقتلت[2].

روى البخاري في تاريخه عن أبي عثمان النهدي قال : كان عند الوليد رجل يلعب فذبح إنساناً فعجبنا فأعاد رأسه ، فجاء جندب الأزدي فقتله ، وفي رواية أنه قال : " إن كان صادقاً فليحيِ نفسه" .

وقد اختلف أهل العلم في الساحر هل يستتاب أو يُقتل بدون استتابة ؟ وظاهر عمل الصحابة في الآثار المتقدمة أنه يُقتل من غير استتابة .

إنَّ قتل الساحر وإزهاق روحه فيه تخليصٌ للمجتمع المسلم من أداة شر وتخريب وفتك بالمسلمين ، فالساحر شروره كثيرة وأخطاره عديدة وجنايته على الإسلام والمسلمين كبيرة ؛ فهو يشتت رابطة المجتمع المسلم ويخلخل كيانه ، ويفرِّق بين الأسر المسلمة ، وينشر العداوة والبغضاء بين المسلمين ، ويزعزع أمن المسلمين ، ويخرب ديارهم ، وينقلهم إلى الحضيض والهلكة .

وإننا لنحمد الله تعالى ونثني عليه الخير كله على ما قيَّضه لولاة الأمر في البلاد - أيَّدهم الله وحرسهم وزادهم من توفيقه - من تتبُّع لهؤلاء المفسدين وقطع لدابرهم واستئصال لشأفَتهم وشرورهم . والواجب على عموم المسلمين التعاون مع ولاة الأمر في ذلك بالإبلاغ عمن يعلم عنه شيء من ذلك للقضاء عليه وتخليص المسلمين من شره مع الدعاء لولاة الأمر بالتوفيق والسداد والإعانة على الخير .

قال الله تعالى : {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة:33] .

*********

________________

[1] رواه البخاري (3156) بسياق مختلف ولم يذكر قتل السواحر ، وأخرج نحوه أبو داود (3043) ، وصححه الألباني رحمه الله في (صحيح سنن أبي داود) (2624) .

[2] رواه مالك (1585) - رواية يحي الليثي - عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة بلاغاً .